السبت الماضي، وللمرة الأولى، أحسست بالفرق بين الإفطار في مكان العمل في الرياض، وبين الإفطار عند أمي في المدينة. وليس للأمر علاقة بالمشاعر أو العواطف. كما انه لا يرتبط فقط باحتفاء أمي بي. فأخواتي الخمس كن جاهزات لتلبية أي طلب أنطق به. ولم أكن في حاجة حتى إلى مدّ يدي. كل شيء يقترب مني، وحده. ولا أتذكر كم مرة تناوبت فيها أخواتي، على الذهاب إلى المطبخ، ولا كم مرة ناولنني طبقاً أو كأس عصير.
ولم أدرك حينئذ إن كان ذلك ممتعاً، إذ شكرتهن، أمام أمي، وقلت ليتني أتزوج واحدة مثلهن، مع أني أعرف أنهن لا يفعلن كل هذا مع أزواجهن. لست متأكداً من ذلك، لكني أعتقد أنهن لا يقدمن للأزواج ما يقدمنه لي. فهن يسعين إلى إرضائي وارضاء أمي في آن. ولمحبة الأخ دور... ربما.
في تلك اللحظة على المائدة، تذكرت لوهلة ما يحدث في بيتي في الرياض. تـذكرت أني لا أجد مكانـاً، في غـرفة الجلوس أحياناً، لمد قـدمي. بنـطلون هنا وقميص هناك. حذاء قربي، وفردة «جراب» على بعد متر أو أكثر... لن أكمل وصف المكان، فأنا كسول فعلاً من ناحية الأعمال المنزلية. وأعترف ولا أخجل من ذلك. أكتفي بالأعمال المكتبية التي لا تنتهي.
وبالعودة إلى موضوع الزواج، لست من المهتمين بـ «ست» البيت! وبمعنى آخر، أرغب بامرأة متعلمة وعاملة و»مقطعة السمكة وذيلها» ومثقفة في كل شيء إلا البيت، بل وكسولة مثلي، في مقابل أن أخسر «ست» بيت تنفخ بطني.
أضف إلى ذلك كله أنني لست من السائلين أو المحققين، أي لست ممن يمكن أن يحقق مع زوجته: أين كنتِ؟ لم تأخرت؟ ومن قابلتِ؟... كل ذلك لا يهم، المهم أن يجابه عقلها عقلي.
ولوهلة، وأنا أمام المائدة، وبعدما شبعت، فكرت في «برّاد» شاي «منعنع» يتمّم حفلة الطعام ويهضم كل ما أكلت. لكني شفقت على أخواتي، فما ذنبهن؟ هن صائمات مثلي! لم يجلسن ولم يفطرن كالصائمين! شغلتهن منذ جلست الى المائدة. للتو تستطيع كل واحدة منهن الإفطار على مزاجها، ولن تشغل بالها بي، فقد أفطرتُ وابتعدتُ عن المائدة بل وخرجت من غرفة الطعام.
حسناً، لكني أرغب بكأس ماء!
تجاوزت قلبي الرحيم، وطلبت كأس الماء. وقفت أخواتي الخمس وابتسمن كلهن، لكن الصغرى هي التي ذهبت وأحضرت كأس ماء بارد، «يرد الروح». وتأكدتُ حينئذٍ أنني سأتزوج «كسلي» ولن أتزوج «عقلي»، فكيف أتزوج امرأة تفهم أن ليس من حقي أن آخذ كل ذلك، بل وأتفق أنا مع رأيها؟!