لعاطفة... إلى أي مدىً يستغلها التلفزيون؟ يميل كل متفرج إلى القناة الإخبارية التي تلامس عاطفته. ينفر من القناة التي تجرحها أو لا تتفق معها. «الجزيرة» تسوق نفسها بـ «الهم العربي». «العربية» تجذب أصحاب «الهم المالي». «المنار» تركز على «الهم الإسلامي» ضد الاحتلال.
هل تناسب مفردة «عاطفة» التصنيف السابق؟ ربما كانت «عاطفة الهم» هي العبارة المناسبة. تنتهج البرامج اللعبة ذاتها... من الهم السياسي إلى الثقافي إلى الروائي إلى المسرحي إلى الاجتماعي إلى الوطني إلى الديني، لتجذب المهتمين.
عودة إلى الهم والعاطفة واستغلالهما، هل تمكن إضافة تعبير آخر: اللعب على العواطف والأوهام؟
قناة «الحقيقة»، تمارس هذا التعبير وما يتوافق معه. لمَ الجزم؟! على رغم ذلك، فهي - القناة - صاحبة سبق تلفزيوني. اليوم ومن خلال هذه القناة تغير دور التلفزيون. لم يعد يقتصر على العرض فقط، بعدما كان الناس في مطلع النصف الثاني من القرن الفائت يعتبرونه «شيطاناً» أو «حديداً ناطقاً»، صار يطرد الشياطين من البيت!
قبل خروجك من المنزل، شغِّل التلفزيون. اختر قناة «الحقيقة». كل ساعة أو ساعتين ستقرأ «الرقية». سيظهر «سماحة الشيخ الدكتور» الهاشمي. سيطلب من الشياطين أن يخرجوا من المنزل. أي منزل؟ كل تلك المنازل التي اختارت القناة دون غيرها. إلى أين ستخرج الشياطين؟ ربما إلى منازل أخرى لم تعرف هذه القناة أو استهترت بها أو لم تلق لها بالاً.
«سماحة الشيخ الدكتور» الهاشمي يملك قناة. طبعاً، فهو يملك أموالاً طائلة. ربحها من العاطفة والعزف على وتر المرض وشفائه. الناس يصدقون، إذاً هو يربح. لكنه يحتاج الى دعاية، فتجارته كبيرة لا تقل شأناً عن تجارة الشركات التي تعلن في القنوات الفضائية. طموح الإعلان عنده ليس صفحة في جريدة، ولا يقنعه إعلان لثوان في فضائية. إنما قناة فضائية كاملة تعلن عن طاقات «سماحة الشيخ الدكتور» الذي استضافه زاهي وهبي مرة في «خليك في البيت». قناة لا شغل لها إلا الإعلان عن «سماحة الشيخ الدكتور»، «شافي المرضى».
المرضى الذين تعافوا على يد «سماحة الشيخ الدكتور» كثيرون. يطلون في القناة ويحكون عن شفائهم من السرطان والجن والكبد وربما من الإيدز يوماً.
لمَ لا؟ ربما كل القنوات تلعب على «العاطفة»؟ لمَ نلوم «سماحة الشيخ الدكتور»، خصوصاً أن اختيار «القناة» يكون غالباً عند الخروج من المنزل. فليتكلم الشيخ منفرداً مع شياطينه في البيوت الخالية، طالما أنه لن يؤثر في سواهم. لكن كيف يمكن التأكد من طردهم؟ ألا يمكنهم - الشياطين - تغيير القناة بعد خروج أصحاب المنزل؟!