كُتب مراراً عن حقوق المرأة. قيل عن مقالات كثيرة إنها تُضمر محاولة العودة بالمرأة إلى ما قبل الإسلام، ومحاولة اختصارها بجسدها، ومحاولة «تخريبها» ببساطة!
ما يقال عن حقوق المرأة، ويرد عليه، كثير، لا ينضب! إذا سألت من لا يحب الكلام عن حقوق المرأة سيرد: ليس في مجتمعنا امرأة تهان. ليس في مجتمعنا امرأة تُضرب، أو تُضرب ضرباً مبرحاً. ليس في مجتمعنا امرأة تُسجن، لأنها اختارت زوجاً وأباً لأولادها، ورفضت العودة إلى مكان لا يليق بها. ليس في مجتمعنا امرأة لا تعمل إذا أرادت. ليس في مجتمعنا امرأة لا تتعلم، ولا تختار التخصص الذي يناسبها بإرادتها. ليس في مجتمعنا غير المرأة المكرمة المصونة المعززة.
كل ما قيل ليس إلا تعاليم الإسلام، وما أعظم هذه التعاليم. لكن ما قيمة تعاليم لا تطبق على ملايين البشر، في مجتمع يقرأها ويسمعها ويحفظها؟ «بعضنا» لا يُحسّ بما يدور حوله إلا إذا رأى بأم عينيه. وإذا رأى أغمض عينيه. و»بعضنا» يقبل بأمور، صمتاً، أو جهراً. و«بعضنا» يدعم ويؤيد. كل ذلك خارج إطار التطبيق. وفي مناسبة الحديث عن القيمة، ما قيمة جمعية حقوق الإنسان، هنا، وما جدواها، طالما أنها تنتظر من يرفع لها دعوى، لتنظر فيها، خصوصاً اليوم، إذ تظهر القصص على صفحات الجرائد؟ يعرف كثير من الناس أن هناك جمعية لحقوق الإنسان، لكن هل تعرف المرأة كيف تذهب إليها و»سيف» المجتمع مسلط عليها؟! فيما وراء تعاليم الإسلام، وفيما وراء الردّ على مناصري السلطة الذكورية، وفيما وراء الظلم الذي يمارس على المرأة علناً، وبخاصة في شقه العائلي الاجتماعي، وفيما وراء الاستهتار بأهليتها وتاريخها الإسلامي والإنساني، وفيما وراء انتهاك مشيئتها وحقها في تقرير مصيرها، باستقلال وحرية - فيما وراء هذا كله، يجب علينا أن نفكر في الطرائق والأساليب التي نتعامل بها مع هذا «الطغيان» الواضح والصريح ونجابهه: أحقاً نتخذ مواقف في مستوى القضايا التي تطرح على الملأ؟ أحقاً ما يحصل هو في مستوى تاريخنا وثقافتنا؟ أحقاً هو في مستوى إنسانيتنا؟ هل هناك ضرورة لسرد الحالات الخاصة، وتحديد مناسبة إعادة كل هذا الكلام، ومناسبة المقال؟
التطليق لعدم التكافؤ، الضرب في ليلة الدخلة وغير ليلة الدخلة، الاستغلال المادي، وبالتالي مَنْعها من الزواج: تلك هي القصص التي تهيمن، اليوم، على حياة المرأة، التي تنطق وتناضل. تلك هي القصص التي استطاع أصحابها نقلها إلى الرأي العام.
كيف، إذاً، لا نتساءل: أهذه هي الحالات الوحيدة؟ أبهذه «الثقافة» يمكن أن نؤسس لحرية المرأة أو لحياة إنسانية كريمة لها، كما أرادها الإسلام وتعاليمه، وبالتالي العدالة، والوقوف مع الشعوب الحرة المتحضرة، في ساحة واحدة من المساواة والندية؟ كيف إذاً لا يحق لنا أن نصرخ: آهاً منّا وعلينا وعلى كل ما نبتكره باسم خصوصيتنا؟ كيف يمكن أن نسكت عن هذه الظواهر؟ وكيف يمكن الانتماء الى ثقافة تسكت عن ممارسة هذه الظواهر وما يرتبط بها، أو يُشابهها؟ هل هناك ضرورة لتسمية القصص: تلك المرأة في حائل، وتلك التي تزوجت بولاية القاضي، ونقض زواجها، وتلك التي ضُربت في ليلة دخلتها بأمر من أم زوجها؟!
أتُرانا، نحن، لا نحبّ «المرأة» إلا مقموعة في الفكر والعمل وفي المجتمع وفي حياتها اليومية كذلك، وفي اختيار زوجها الذي سيعيش معها؟ أيبدو أنه لا مكان في حياتنا، لامرأة تختار زوجها، لامرأة تختار عملها، لامرأة تنفق مالها في ما تراه مناسباً لها، لامرأة تختار تخصص دراستها، لامرأة تختار حياتها؟!
أيبدو هذا المقال قاسياً وسوداوياً؟! بعد خمسة عشر قرناً من التجربة الفريدة، والتي غيّرت وجه العالم، يقلِّصها البعض ويحصرها في: هل أنتَ مع الاحتلال الأميركي للعراق أو مع الديموقراطية أو مع الليبرالية أو مع تحرير فلسطين بالقوة والسيف؟
هذه هي مشكلاتنا فقط، لأن المجتمع ينام قرير العين مرتاح البال لولا تدخل أميركا! ربما كان لأميركا دور في تخريب العلاقة بين الرجل والمرأة، وبين الأب وأبنائه وبناته. نعم فهي تبث لنا أفلامها وبرامجها ومسلسلاتها، كما تبث قنابلها الذكية وجنودها! و «سلم لي على المؤامرة».